صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

شارع النيل.. عندما تقتل ذبابة بدبابة

24

افياء

أيمن كبوش

# في نهارية موحشة من نهارات عصر الفوضى.. الاربعاء الماضي.. شقت العربة طريقها من جنوب شرق الخرطوم.. الى وسطها، انشغلنا ساعتها بالهواتف النقالة.. الى ان توسطت العربة عمق “شارع النيل”.. وتحديدا في المنطقة التي تقع تحت جسر الحديد.. تسير العربات ببطء مخيف.. الزحام ليس هو الزحام المعتاد.. والمكان لا يعبر عن نهارات رمضانية حيث تسير الحياة باعتيادية تمد لسانها للصيام.. وعظمة الشهر الكريم.. بائعات الشاي والقهوة تمددن على جوانب الشارع.. وراكبات العربة من منسوبات صحفنا السياسية اليومية يتحدثن عن غرابة الناس.. والمكان.. وحركة البيع التي تجري “على عينك يا تاجر”.. المواتر تئن بحامليها.. والركشات تنبئ بان هناك “شغل يتم”.. بيع شراء مفاوضات وغيرها.. فقفزت عندي لحظتها عبارة “هنا ينتهي القانون”.. فبدأ “شارع النيل” الذي كان “مزارا” للعشاق.. مثل مأخور كبير يشبه “رأس الشيطان وكرتون مستر جون”.. هي اسماء لمن لم يسمعوا بها لمناطق خرطومية طرفية عشوائية يختفي فيها العقل وينتحب القانون.

# توقفت العربة “حافلة” بغير ارادة قائدها وهنا ظهر امامنا اكثر من رجل مرور “عشوائي” بجسد عار.. وشعر منكوش.. عيون مجنونة.. ولغة شوارعية.. اهاجت فيهم لوحة العربة “شرطة” كل جحيم العالم.. وبدأ المنفلتون في التكسير من كل الجوانب.. طوب المتاريس والحديد وقبضات الغضب.. تهشم زجاج المركبة على رؤوس الصحفيات.. ولولا تصرف السائق باستخدام السرعة لاصبحنا جميعا في عداد المفقودين.

# “كولمبيا” التي قطعنا تأشيرة عبورها مخاضة.. ودفعنا فاتورة مرورها كفاحا من قدرتنا على الاحتمال.. لم تكن صنيعة هذه الايام.. ولا وليدة الثورة الا انها وجدت حاضنة.. ورعاية وطناش من الحاكمين والثوار معا.. هي دولة قديمة ولها اكثر من سفارة وقنصلية في اطراف العاصمة.. بمخدراتها وعهرها وخرافته.. ولكنها لم تكن تتمدد بيننا على هذا النحو بمراسيم علنية.. لولا شيوع الفوضى التي بات لها اكثر من صانع.. ولها اكثر من مصوغ،

# لعلها صنيعة التهميش الذي صنعه نظام البشير بالقهر والظلم واجهاض الحقوق، ففي كولمبيا الكثير من القصص التي تحكي عن النزوح والهجرة وقبل ذلك الامعان في اكل الحقوق.. هناك اكثر من عسكري اطلقته وحدته “عكس الهوا”.. وهناك اكثر من إمرأة اغتالت حقها في العمل الشريف كشات البلدية وبطش متحصلي المحليات.. فغاب عنها زوجها برسم الهروب ولم يترك لها غير زغب الحواصل والظلام واللئام، غابت دولة الكفاية والعدل.. واصبحت الثروات كلها في جيوب اقلية شرهة للمال الحرام.. فضنت على الاغلبية بالتنمية المستدامة واللقمة الحلال.

# اعود وأقول بأن الحلول اكبر بكثير من تحريك آليات الحرب.. والتعامل بمبدأ الصياد والطريدة.. لان من يهرب من “شارع النيل” الليلة سيمضي الى مخادع الآمنين في الاحياء.. ليحدث رعبا لن تحتمله البيوت الطينية ولا الشوارع الطرفية والاقدام النحيلة، لذلك من باب اولى ان تتحمل الدولة الغائبة المسئولية لتبحث عن حلول غير تقليدية تفرض بها هيبة القانون وهذا لن يكون الا برجال القانون.. وحسبي وحسبكم بان الشرطة السودانية التي ترتكز على قرن من التجربة والدربة والدراية.. هي الاقدر على اعادة الامن الى نصابه المأمول.. الحلول لن تكمن في الدبابات والرصاص الحي المنهمر في كل ناحية وكل ناصية.. لان متفلتي كولمبيا ليسوا محكومون بالاعدام حتى نطاردهم بالذخيرة الحية.. اعيدوا ترتيب الامور واقبضوا على الخارجين بالضوابط القانونية.. بدلا من تحويل الخرطوم الى ادلب او اجدابيا.. يقعقع فيها السلاح الناري الذي لا يستثني من خطورته احدا.. ليس من الحكمة ان نكافح الذباب بالدبابات.. فهل انتم معي.. ؟!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد