صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

هل ينهار الممتاز؟

2٬122

كبد الحقيقة
د . مزمل أبو القاسم
هل ينهار الممتاز؟

* ظللت عبر السنوات من أقوى المدافعين عن مسابقة دوري الدرجة الممتازة، باعتبارها من ممسكات الوحدة الوطنية، ولأنها أتاحت للآلاف من لاعبي ومدربي وإداريي وحكام ومشجعي كرة القدم فرصة أكبر للتعرف على ثنايا وطنهم الجميل، والتنقل في أرجائه الواسعة.
* بل ظللت أطالب بتنظيم بطولات لكل الألعاب على المستوى القومي.
* بسبب ممارستي للكرة الطائرة زرت مدناً ظلت منحوتةً في الذاكرة مثل عطبرة وبربر والدامر وسنار والقضارف وكوستي، وبرفقة المريخ الحبيب زرت معظم أرجاء السودان، وشاهدت بورتسودان وجوبا ومدني وكسلا والحصاحيصا والكاملين ومدني والأبيض وكنانة وربك وغيرها من مدن السودان.
* الرياضة في عمومها تجمع ولا تفرق، وتنثر الحب وتحارب الكراهية، والرياضيون بطبعهم متحابون متحدون يتابعون ألعابهم ويمارسونها بعشق دافق، وبأمر المريخ الحبيب تعرفت على الآلاف من أبناء السودان فصاروا أصدقاء وأحبة، مثلما توطدت علاقتي مع كثير من محبي الأندية الأخرى، بما فيها الهلال.
* بدأ الدوري الممتاز كمسابقة في العام 1996، ووقتها كان السفر في السودان صعباً، لقلة الطرق المرصوفة، ومحدودية عدد المطارات الولائية، كما كانت الاتصالات في غاية التخلف، إذ لم يكن هناك إنترنت ولا هواتف جوالة، وكانت الهواتف الأرضية قليلة للغاية.
* أذكر أنني زرت مدينة بورتسودان في بواكير عهد المسابقة ويومها خسر الزعيم أمام حي العرب بأربعة أهداف لواحد، وقضيت معظم ساعات الليل طائفاً مع الزميل الصديق حافظ أحمد خوجلي سعياً إلى إبلاغ الصحيفة بالخبر.
* زرنا قيادة الشرطة والحامية العسكرية (الدفاع الجوي إن لم تخن الذاكرة) ومكاتب البريد والبرق وجهاز الأمن ومكتب الإرصاد الجوي وغيرها، ولم نفلح في الاتصال بالخرطوم، وفي آخر المطاف اضطررنا إلى الذهاب إلى مطار بورتسودان كي يتم إرسال الخبر بالجهاز إلى برج المراقبة في مطار الخرطوم، ومنها بالهاتف إلى الصحيفة.
* في إحدى الرحلات مع المريخ كنا مسافرين إلى مدني فتعطل بنا بص (السفينة)، أمام قرية البشاقرة، وقضينا عدة ساعات في انتظار وسيلة تقلنا إلى وجهتنا، وفي خاتمة المطاف أحضر فتح الرحمن سانتو وكمال شناق دفاراً، حملنا جميعاً إلى مدينة الكاملين، حيث أكرم مريخاب الكاملين وفادتنا من داخل ناديهم، وأحضروا حافلة أقلتنا إلى مدني، وأصروا على تسديد أجرتها، برغم إلحاح اللواء فيصل محمد عبد الله (رئيس البعثة) عليهم.. (رحمة الله عليه).
* يومها وصلنا مدني في تمام العاشرة مساء، مع أننا تحركنا من الخرطوم الساعة الثامنة صباحاً.
* بالطبع تطورت وسائل الاتصال تدريجياً مثلما تطورت وسائل الحركة وتعددت المطارات في مدن الولايات لاحقاً، وكانت مداخيل المباريات تغطي جانباً كبيراً من منصرفات الأندية، كما إن المسابقة كانت جاذبة للشركات والقنوات الفضائية، حيث رعتها شركة سوداني سنوات عديدة، كما تناوبت على بثها قنوات آي آر تي وقوون والنيلين قبل أن تؤول إلى قناة الملاعب مؤخراً.
* في السنوات الأخيرة تدهور الاقتصاد، وتقلصت مداخيل الأندية تبعاً لانهيار قيمة الجنيه، وتضاعفت كلفة المسابقة في الإعاشة والترحيل وخلافها، وشحت مدخيل شباك التذاكر، وأتت جائحة الكورونا لتسدد ضربة قاضية للمسابقة الكبيرة.
* أصبحت إدارة الأندية المشاركة في المسابقات القومية جحيماً لا يطاق، فنفر منها الإداريون وهربوا من ساحتها، فانفتح المجال لأناس لا صلة لهم بالرياضة، وتعدد ظهور أصحاب السوابق وأرباب الأموال المشبوهة في قمة الأندية، وتدهور كل شيء.
* استمرار مسابقة الدوري الممتاز بشكلها التقليدي القديم ما عاد وارداً في ظل المستجدات الحالية بالسودان.
* إذا استمر الانهيار الحالي للاقتصاد فلن تجد الأندية من يديرها، وسيهرب منها المغامرون الذين تصدوا للإنفاق على اللعبة مؤخراً.
* لن أدعو إلى إلغاء الدوري الممتاز بالكامل كما يطالب صديقي (الأدروب) النور طه باشري، القيادي المعروف بنادي حي العرب بورتسوادن، لأنني ما زلت أتعشم في أن ينصلح حال البلد، ويزدهر اقتصاده ويستعيد السودان عافيته ولو بعد حين، ليبقى الممتاز من معالم تماسكه ووحدته الوطنية.
* لكن الشيء الأكيد أن استمرار المسابقة بنهجها الحالي لم يعد مقبولاً ولا واردا، في ظل التصاعد الجنوني لأسعار الترحيل والإقامة والإعاشة في مقابل تلاشي مصادر دخل الأندية، بعد أن فقدت المسابقة رعاتها وجفت مدرجاتها من الجماهير.
* عما قريب سيتوالى انسحاب الأندية من الممتاز، ولعلنا نذكر أن بعض الأندية التي صعدت إلى المسابقة الأولى هبطت سريعاً ولم تفكر إداراتها في تكرار تلك التجربة لاحقاً، مثل نيل شندي الذي وجد نفسه معاقباً بالهبوط ومهدداً بالشطب بعقوبة دولية من الفيفا.
* يجب على الاتحاد أن لا يتمسك بتنظيم المسابقة بنهجها التقليدي، في ظل عجزه عن تقديم أي دعم للأندية، وقد تابعنا كيف هدد نادي توتي بالانسحاب من المسابقة بسبب عجز إدارته عن تحمل قيمة إقامة وإعاشة بعث النادي في مدينة بورتسودان.
* مطلوب من الاتحاد إدارة عصف ذهني حول كيفية استمرار المسابقة والسبل الكفيلة بمنعها من الاندثار، وكيفية تنظيمها بطريقة مناسبة تراعي المستجات الكبيرة والتحويلات الخطيرة التي حدثت في بلادنا خلال السنوات الأخيرة، وبالعدم سيتوالى انسحاب الفرق منها لتنهار في خاتمة المطاف.
آخر الحقائق
* نلاحظ أن معدل الاهتمام بالرياضة عموماً وكرة القدم على وجه الخصوص انخفض بصورةٍ لافتة وسط فئات الشباب، بعد أن تصاعد اهتمامهم بالشأن العام، وانشغلوا بالسياسة.
* تسببت حالة الانهيار الاقتصادي في انسحاب الرعاة الواحد تلو الآخر.
* فقد أهلي الخرطوم رعاية الجيش له.
* وفقد الخرطوم الوطني رعاية جهاز المخابرات الوطني.
* وفقدت المسابقة نفسها رعاية شركة سوداني.
* وعانت القناة المالكة لحقوق البث الأمرين من تراجع قيمة الإعلانات أثناء المباريات.
* قدمت قناة الملاعب ثلاثين مليون جنيه عرضاً لتملك حقوق البث، تساوي أقل من خمسين ألف دولار.
* وقدم التلفزيون القومي عرضاَ مماثلاً.
* ظهر بصيص أمل بالعرض الذي قدمته شركة كابيتال بلو لرعاية الدوري، بعقد بلغت قيمته سبعمائة وخمسين ألف دولار أمريكي.
* علماً أن قيمة عقد الرعاية في زمن شركة سوداني كان يساوي عدة ملايين من الدولارات.
* أذكر أن قيمة العرض الذي قدمته قناة قوون يلغ ستة مليارات جنيه كانت تساوي مليون دولار أمريكي.
* حاولت شركة كابيتال بلو إغراء الفضائية القومية للحصول على حقوق بث الدوري بالمجان، فقبلت بادئ الأمر ثم حسبت الأمر جيداً وانسحبت.
* المحصلة بطولة دوري تنظم بلا بث تلفزيوني، وتلعب في ملاعب منهارة، وتنقل عبر الهواتف الجوالة.
* تدهور مريع.. يشير إلى اندثار حتمي.
* لم يعد العالم كما كان بعد الكورونا.
* وفي السودان انهار الاقتصاد وبادر الآلاف بالهجرة إلى الخارج، بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية والأمنية والصحية.
* يكفي تدليلاً على التدهور ما حاق بإستاد المريخ من خراب.
* لا أدل على الانهيار من خروج كل ملاعب السودان عن نطاق الخدمة في البطولات الخارجية (ما عدا إستاد الهلال) الذي حصل على موافقة الكاف بصعوبة بالغة.
* بالطبع لا يوجد أدنى ذكر لمسابقة كأس السودان التي لم تستكمل ثلاثة مواسم متتالية.
* مطلوب تفكير خارج الصندوق، لإنقاذ اللعبة كلها، والدوري الممتاز على وجه الخصوص.
* آخر خبر: بالعدم.. الحي الله والدائم الله.

قد يعجبك أيضا
4 تعليقات
  1. اسامه دنقلاوي يقول

    رغم هلاليتنا لكنه مقال يستحق القراءة والتأمل

  2. صلاح يقول

    ألحق الحق يا ود عبد الماجد وتعال كشف !!
    أحلي حاجة موضوع الجماعة الما معروف مصدر قروشهم من وين، وكأنما ناس البتاع الطوالي كانوا وارثين……!! بس ماكان في ليهم غير التطبيل والتمجيد، وما في زول قال ليهم جبتوا قروشكم من وين، طالما الجيوب عمرانة و…… والله في !!

    1. ابو محمد يقول

      صه… دائماً كلامك خارم بارم يا أبوصلاح الله يهديك.

  3. ابوسنان يقول

    ياكابتن صلاح كل شعب السودان بكسر الثلج وانت اولهم..أما يا سى مزمل عن انهيار الممتاز ماينهار انت عندكم كورة..وهو كل البلد انهار واصبحنا جوع بنسبة ٩٠ فى المية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد